ترمب والاقتصاد الأمريكي- الدولار، التصنيع، والعملات الرقمية
المؤلف: حسين شبكشي09.30.2025

يخطئ بشدة من يظن أن سلوكيات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب المثيرة للجدل وتصريحاته غير التقليدية تنعكس بالضرورة على خططه وأهدافه الاقتصادية. فترمب يمتلك رؤية استراتيجية متكاملة وأجندة عمل واضحة المعالم يسعى لتحقيقها، ويعاونه في ذلك فريق من المستشارين المرموقين، وعلى رأسهم إيلون ماسك، رائد الأعمال اللامع الذي بات حديث العالم. يتمثل الهدف الاقتصادي الأسمى لدونالد ترمب في استعادة بريق الصناعة الأمريكية بعد هجرتها إلى دول الشرق الأقصى، الأمر الذي أدى إلى إغلاق مئات المصانع وتشريد آلاف العمال.
ولتحقيق هذه الغاية الطموحة، يرى ترمب ضرورة ملحة في إضعاف قيمة الدولار الأمريكي مقارنةً بالعملات الأخرى، مما يجعل المنتجات الأمريكية أكثر جاذبية للمستهلكين بفضل انخفاض أسعارها، وفي المقابل، سيؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة، الأمر الذي يعزز الإنتاج المحلي ويوفر فرص عمل جديدة في القطاع الصناعي.
تعتمد خطة ترمب بعيدة المدى لخفض قيمة الدولار على فكرة بالغة الدقة والحساسية، فمن ناحية، يحرص بشدة على إضعاف العملة الأمريكية، ولكنه في الوقت نفسه لن يسمح بتقويض هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي أو تراجعه عن مكانته كعملة أولى في العالم. ومن الطبيعي أن تسعى دول مثل الصين واليابان وتايوان والاتحاد الأوروبي للتخلص من احتياطاتها الدولارية أو سندات الخزانة الأمريكية المقومة بالدولار بهدف إضعاف العملة الأمريكية.
إلا أن هذا الخروج الهائل لرؤوس الأموال من الدولار يمثل تحديًا كبيرًا لترمب، إذ يتعين عليه توفير ملاذ آمن بديل لاستثمارات ومدخرات تلك الدول. وهذا يفسر اهتمامه المتزايد بالعملات الرقمية منذ توليه منصبه، وهو ما انعكس إيجابًا على قيمتها. فقد أصدر ترمب العديد من التصريحات الداعمة للعملات الرقمية وسن بعض التشريعات المؤيدة لها، إيمانًا منه بأن تكوين سلة من العملات الرقمية القوية والمعترف بها رسميًا يمكن أن يكون بمثابة ملاذ آمن وعائد مجزٍ للدول التي تتخلى عن الدولار الأمريكي.
وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أن الهاجس الاقتصادي الأكبر الذي يواجه ترمب هو شبح التضخم المستمر، وأن الإجراءات الحمائية التي اتخذها بفرض رسوم جمركية باهظة على الصين والمكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي سترفع التكلفة على المستهلك الأمريكي، لأن إيجاد بديل للصناعة الأمريكية يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين.
ولتوضيح ذلك، يمكن إلقاء نظرة فاحصة على مخزون شركة وول مارت، أكبر سلسلة متاجر تجزئة أمريكية، حيث تصل نسبة البضائع وسلاسل الإمداد القادمة من الصين إلى 80%. وبالتالي، فإن فكرة أن الرسوم الجمركية الجديدة ستعاقب الصين هي فكرة ساذجة، لأن العقوبة ستطال المستهلك الأمريكي في المقام الأول والأخير.
يسود حالة من التوتر والقلق في أروقة صناعة القرار الاقتصادي الأمريكي بسبب خطورة وضع الدين العام، وتراجع القدرة الصناعية بشكل عام، وتنامي القدرات التنافسية للصين، وتقارب الفجوة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين. وهذا يفسر الإجراءات السريعة والمفاجئة التي تتخذها إدارة ترمب لمعالجة المشاكل التي تواجهها قبل تفاقم الوضع. واليوم، تتدفق استثمارات رأسمالية ضخمة نحو السوق الأمريكية بعد التسهيلات الجديدة التي أقرها ترمب، خاصةً من الاتحاد الأوروبي. ويبقى السؤال المطروح: هل ما يخطط له دونالد ترمب كافٍ لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي في مواجهة هذه التحديات الجسام؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.